شرح استراتيجية الحكومة في القضاء على البطاله وتحقيق التنمية المستدامة
أحدثت التطورات العلمية التقنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين قاعدة أساسية ، لتشكل حالة جديدة من الحضارة الإنسانية تميزت بتحقيق إنجازات مذهلة في تقنيات الحاسوب ووسائل الاتصال فضلا عن عدد آخر من الإنجازات التقنية التي حازت على اهتمام كثير من المراقبين، لكنها في الوقت نفسه أهملت المشاكل المتعلقة بفرص بقاء الإنسانية في ظروف الأزمات البيئية الكونية المصاحبة لهذه الحالة الجديدة من الحضارة حيث يمكن ملاحظة الانخفاض النسبي في اهتمام كل من الجماعة العلمية والمجتمع السياسي بتلك المشاكل خاصة في ظل غياب طريق واقعي لحل مثل تلك المشاكل البيئية.
تبنت غالبية الدول الصناعية المتقدمة في النصف الثاني من القرن العشرين طريق
التقدم المتنامي في العلم والتقنية، وأساليب الإنتاج مما أدى إلى بروز ما أصبح يعرف بمجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم يعد يعتمد على نشاط الأفراد ولا على المجتمع ككل بقدر اعتماده على فرضية قدرة البشر على السيطرة على ذلك التقدم. إلا أن التطورات غير المنضبطة المصاحبة للتقدم الصناعي قد أسهمت من جانب أخر في تنامي سلسلة من المشاكل
ذات الطابع البيئي، حيث أضحت قضايا التدهور البيئي، والتصحر، والفقر، وعدم المساواة الاقتصادية، والدفء الكوني، والانفجار السكاني، وتزايد معدلات انقراض الكائنات الحية بشكل مخيف، والأمطار الحمضية، واستنفاد طبقة الأوزون، وتلوث الماء والهواء .
ويطرح بروز هذه المشاكل البيئية وتفاقم حدتها عدة تحديات غير منظورة للعلوم
الاجتماعية وللاهتمامات اليومية للمواطنين والحكومات والمصالح الخاصة، حيث لم يعد ما يواجهه العالم اليوم محصورا في الحالة المتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعية Meadows
(1972 التي يمكن مواجهتها وإن كان بطريقة محدودة وغير ذات كفاءة ، من خلال إحلال رأس المال الطبيعي برأس مال مادي، ونتيجة ما أحدثته الثورة الصناعية من أضرار بيئية نشأت تساؤلات حول التنمية الاقتصادية وعلاقتها بالبيئة ، وعن النمو المتزايد في الجانب الاقتصادي
على حساب المقدرات البيئية ، والنظم الاجتماعية. (عبد الخالق، ١٩٩٣م)، فان الاستخدام الجائر للمصادر الطبيعية واستنزاف الثروات الأرضية والزيادة السكانية المضطردة أدى إلى أن
ينتبه العالم إلى أهمية دراسة هذه الإمكانيات وكيف ستلبي الاحتياجات المتزايدة في المستقبل.
وقد هيأت الدراسة التي أعدتها لجنة بروندتلاند لعام ١٩٨٧م (Brundtland (بعنوان مصيرنا المشترك، الانطلاقة الفعلية للتنمية المستدامة (البنا، ٢٠٠٠م).
وتحاول حركة الاستدامة اليوم تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع
تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية.
مشكلة البحث:
كانت مجموعة الدراسات المترتبة علي مشروع "المأزق الذي يواجه الجنس البشري"
بأكاديمية دي لينشي بروما عام ١٩٦٨م، والهادف إلي دراسة المشكلات المعوقة للجنس البشري مثل الفقر، وتدهور البيئة، والهجرة من الريف إلي الحضر، ورفض القيم التقليدية وغيرها (محمد، ١٩٩٠م) قد خلصت إلي وضع نظرية سميث المعروفة بنظرية حدود النمو، والتي انتهت إلي أن استمرار استفاد الموارد الطبيعية سوف يدفع إلي انهيار مفاجئ في قدرة البيئة علي الوفاء
باحتياجات التقدم، وان تلافي خطورة هذا الأمر يتطلب إحداث نوع من التوازن البيئي والاستقرار الاقتصادي، غير أن تعًرض نظرية النمو لانتقادات شديدة إزاء ما تضمنته من تشاؤم مفرط كان قد دفع إلي ظهور نظرية التنمية المستدامة بتصور مواجهة بين البيئة والاقتصاد، ومحاولة لدمجهما معا كأساس للتحول عن الأهداف التقليدية لعلم الاقتصاد المرتبطة بإشباع رغبات المستهلك وتحقيق
أقصي ربح للمنتج وغير ذلك من صيغ محدودة الفائدة. وعليه تمثلت مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي: ما هي التنمية المستدامة؟ وتتفرع منه الأسئلة الآتية: ما هي أسس التنمية المستدامة؟
وما هي أهم مؤشراتها؟ وما إمكانية تحقيق التنمية المستدامة؟
أهمية البحث:
تنبع أهمية هذا البحث من أهمية موضوعه وهو التنمية المستدامة الذي أصبح أسلوبا
من أساليب التنمية التي يفرضها العصر الحاضر الذي يتصف بالتطور والتغير المتسارع، والذي يفرض على الدول والهيئات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد مواكبته حتى تحقق التوازن الاجتماعي الناتج عن العولمة وتأثيراتها السلبية. فيسلط هذا البحث الضوء
على قضية التنمية المستدامة ومفاهيمها المتعددة، فكانت أهميته للاتي:
1 -أصبحت حماية البيئة وموارها وخلق الوعي البيئي والتفهم الصحيح لقضايا البيئة بالاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية في ظل التنمية المستدامة هدفا أساسيا للإنسان ولمنفعة المجتمع.
2 -اهتمام دول العالم بالقضايا البيئية والتنمية المستدامة مؤكدة من خلال عقد المؤتمرات والندوات والتي تؤكد على الوعي البيئي والاهتمام بالتنمية المستدامة.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلي:
1 -الوقوف على مفهوم التنمية المستدامة.
2 -العوامل التي تساعد على تحقيق التنمية المستدامة.
تعريف التنمية المستدامة:
تعد التنمية بأنواعها عملية ديناميكية مستمرة تنبع من الكيان وتشمل جميع الاتجاهات، فهي كعملية مطردة تهدف إلى تبديل الهياكل الاجتماعية وتعديل الأدوار والمراكز وتحريك الإمكانات المتعددة
الجوانب بعد رصدها وتوجيهها نحو تحقيق هدف التغيير في المعطيات الفكرية والقيمية وبناء دعائم الدولة العصرية وذلك من خلال تكافل القوى البشرية لترجمة الخطط العلمية التنموية إلى مشروعات فاعلة تؤدي مخرجاتها إلى إحداث التغييرات المطلوبة (الزهراني ١٤٢٦هـ).
قد أورد (1996 Prasad & Fowke(أكثر من ثمانين تعريفا مختلفا وفي الغالب متنافسا وأحيانا متناقضا. ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة غبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين
بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها" (43,8: 1987 WCED .(و ًعرفت بأنها: "السعي الدائم لتطوير
نوعية الحياة الإنسانية مع الوضع في الاعتبار قدرات النظام البيئي "(فيانا، ١٩٩٤ .(ولقد خرج مؤتمر منظمة الزراعة والاغذية العالمية (FAO (بتعريف أوسع للتنمية المستدامة بأنها " إدارة قاعدة الموارد وصونها وتوجيه عملية التغير البيولوجي والمؤسسي على نحو يضمن إشباع
الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة بصفة مستمرة في كل القطاعات الاقتصادية، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة وتتسم بالفنية والقبول". (وليم، ١٩٩٠ .(وهي تنمية تراعي حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية. وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي (العوضي، ٢٠٠٣م).
أسس التنمية المستدامة:
يستند مفهوم التنمية المستدامة إلى مجموعة من الأسس أو الضمانات الرامية إلى تحقيق أهدافها وكانت أهمها :
1- أن تأخذ التنمية في الاعتبار الحفاظ على خصائص ومستوي أداء الموارد الطبيعية الحالي والمستقبلي كأساس لشراكة الأجيال المقبلة في المتاح من تلك الموارد.
2 - لا ترتكز التنمية إزاء هذا المفهوم على قيمة عائدات النمو الاقتصادي بقدر ارتكازها على نوعية وكيفية توزيع تلك العائدات، وما يترتب على ذلك من تحسين للظروف المعيشية للمواطنين حال الربط بين سياسات التنمية والحفاظ على البيئة.
3 -يتعين إعادة النظر في أنماط الاستثمار الحالية، مع تعزيز استخدام وسائل تقنية أكثر توافقا مع البيئة تستهدف الحد من مظاهر الضرر والإخلال بالتوازن البيئي والحفاظ على استمرارية الموارد الطبيعية.
4 -لا ينبغي الاكتفاء بتعديل أنماط الاستثمار وهياكل الإنتاج، وإنما يستلزم الأمر أيضا تعديل أنماط الاستهلاك السائدة اجتنابا للإسراف وتبديد الموارد وتلوث البيئة.
5 -لابد أن يشتمل مفهوم العائد من التنمية ليشمل كل ما يعود على المجتمع بنفع بحيث لا يقتصر ذلك المفهوم على العائد والتكلفة، استنادا إلى مردود الآثار البيئية الغير مباشرة وما يترتب عليها من كلفة اجتماعية، تجسد أوجه القصور في الموارد الطبيعية (إبراهيم،(٢٠٠٤
6 -استدامة وتواصل واستمرارية النظم الإنتاجية أساس الوقاية من احتمالات انهيار مقومات التنمية خاصة بالدول النامية التي تعتمد علي نظم تقليدية ترتبط بمقومات البيئة الطبيعية